الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فإن الإسلام دين عالمي رسالته عامة لكل البشر لا تمييز فيه لجنس على آخر، وقد جمع الإسلام في ظل الفتوحات الإسلامية شرقا وغربا العديد من الأجناس والقوميات والأوطان المختلفة فصهرها جميعاً في بوتقة واحدة، وقاد البشرية كلها إلى حضارة عظيمة لا يُنكر فضلها خطت بالبشرية خطوات كبيرة للإمام، دون استعلاء فيها لأمة على أخرى فلا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى.
فكما نبغ من العرب علماء أفذاذ في شتى فروع العلم وفنونه فقد نبغ أيضاً علماء كثيرون من غير العرب في ظل الإسلام في مختلف فروع العلم ومناحي الحياة المختلفة من فارس والهند والأندلس والأكراد وغيرهم، وإنما عرفت المدنية الحديثة في أوروبا الدعوة إلى القومية وإلى الوطنية بعد أن تخلصت أوروبا من التسلط الديني للباباوات والاستبداد السياسي للإمبراطوريات، فظهرت الدعوات الوطنية والقومية المتعددة لكل منها ثقافتها وحضارتها وتقاليدها وقيمها التي تتمسك بها، وتراها مميزة لها عن غيرها، تفتخر بها وتسعى إلى إعلائها على غيرها.
وتطورت الأمور فدخلت هذه القوميات والأوطان في صراع وتنافس يتزايد، ويلقي بتبعاته على البشرية ككل، فكل أمة تفتخر بوطنها إلى حد العبادة له، فمصالحه فوق مصالح غيره من الأمم.
وحب الوطن والمبالغة فيه يكون معه التغاضي عن تعدياته وظلمه لغيره من الأوطان، وما فيه رفعة الوطن فهو الحق والصواب في نظر أبنائه، وما عداه فباطل مرفوض.
وكل أمة تسعى لنشر وفرض ثقافتها وأساليب حياتها على غيرها ولو بالقوة. وإن دانت لها الأمم الأخرى جعلتها تابعة لها منقادة ليس لها حق المساواة بها، وإن أخذت بما هي عليه.
فصار الإنسان في ظل تلك الدعوات القومية والوطنية وحشاً ضارياً لا يتوانى عن افتراس أخيه الإنسان طالما أنه ليس من جنسه، ولا من وطنه.
وأدت هذه الدعوات الاستعلائية إلى حربين عالميتين في نحو ربع قرن، أودتا -بلا رحمة- بحياة عشرات الملايين من البشر، وشهدت أهوالاً لا توصف. وانتهت بتفجير أول فنبلتين ذريتين في تاريخ البشرية.
ولا يخفى أن هذه النظرة القومية أو الوطنية الضيقة تعارض ما جاء به الإسلام، الذي يبني نظامه على المساواة بين كل الأجناس في دائرته، فهدف الإسلام إقامة دولة عالمية -لا قومية- ترفض التعصب لجنس أو لقوم أو لوطن، ويتساوى فيها جميع المسلمين في الحقوق والواجبات، تسودهم روح التعاون لا العداء، وتربطهم المحبة لا البغضاء، ولا يفخر فيها أحد على أحد، فالناس شعوب وجماعات متفرقة، ومن بين هذه الجماعات تكونت الأمة الإسلامية ممن دخلوا في دين الإسلام، فكانوا أمة وسطاً دون تعصب لجنس أو قوم، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(الحجرات:13)، فالمسلمون أمة واحدة، قال -تعالى-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(آل عمران:110)، وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)(البقرة:143).
ولقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تعصب المرء لقومه، فقال: (دعوها فإنها منتنة) متفق عليه، وفي الصحيح مرفوعاً: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبية أو يدعو لعصبية أو ينصر عصبية فقتل فقتلة جاهلية ومن خرج على أمتي بسيفه يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه) رواه مسلم.
- ومن مساوئ الدعوة إلى القومية والوطنية ارتباطها بالعلمانية، فهي ترفض التمسك بأي نظام ديني، لأنها تساوي بين أفرادها وإن اختلفت معتقداتهم الدينية، وترى وجوب المساواة بين جميع الأديان في الأمة، وضرورة إقصاء الدين وإن شئت قلت التضحية به حفاظاً على وحدة الأمة!!
فالولاء والمحبة والمودة لابد أن تكون بين أفراد الأمة الواحدة وإن اختلفت معتقداتهم الدينية، فلا دولة قومية دون بينان علماني يقوم على فصل الدين عن الدولة ولابد.
- ولا يخفى أن الإسلام دين ودولة، ولا يقبل أن يكون مجتمع المسلمين غير ملتزم بأحكامه وشريعته، وإلا انتفت عن هذا المجتمع صفة الإسلام، ولا يعني ذلك رفض وجود غير المسلمين في الدولة الإسلامية، أو إجبارهم على اعتناق الإسلام طالما بقوا في دولته؛ إذ لا إكراه في الدين، وإنما هم أهل عهد وذمة، يخضعون لأحكام الإسلام المبنية على العدل والرحمة والإحسان، ولهم فيها الأمن والأمان لأرواحهم وأموالهم، قال -تعالى-: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)(البقرة:256).
وقد انتقلت عدوى الدعوة إلى القومية إلى الأمة الإسلامية فقسَّمتها وفرَّقتها، فالدعوة إلى القومية الطورانية في تركيا، والدعوة إلى القومية العربية، وظهرت شعارات: "مصر للمصريين"، و"الوطن فوق الجميع"، والمناداة بـ"سوريا الكبرى"، والقومية الآشورية على أرض العراق، وكفاح الأكراد لإقامة دولة قومية كردية.....إلخ.
وتحولت الأمة إلى دويلات تفصلها حدود سياسية، وتتحكم فيها دول الغرب الاستعمارية.
فهل آن لنا أن يجمعنا الإسلام من جديد ويُألف بيننا؟ (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(الأنفال:63).
فإن الإسلام دين عالمي رسالته عامة لكل البشر لا تمييز فيه لجنس على آخر، وقد جمع الإسلام في ظل الفتوحات الإسلامية شرقا وغربا العديد من الأجناس والقوميات والأوطان المختلفة فصهرها جميعاً في بوتقة واحدة، وقاد البشرية كلها إلى حضارة عظيمة لا يُنكر فضلها خطت بالبشرية خطوات كبيرة للإمام، دون استعلاء فيها لأمة على أخرى فلا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى.
فكما نبغ من العرب علماء أفذاذ في شتى فروع العلم وفنونه فقد نبغ أيضاً علماء كثيرون من غير العرب في ظل الإسلام في مختلف فروع العلم ومناحي الحياة المختلفة من فارس والهند والأندلس والأكراد وغيرهم، وإنما عرفت المدنية الحديثة في أوروبا الدعوة إلى القومية وإلى الوطنية بعد أن تخلصت أوروبا من التسلط الديني للباباوات والاستبداد السياسي للإمبراطوريات، فظهرت الدعوات الوطنية والقومية المتعددة لكل منها ثقافتها وحضارتها وتقاليدها وقيمها التي تتمسك بها، وتراها مميزة لها عن غيرها، تفتخر بها وتسعى إلى إعلائها على غيرها.
وتطورت الأمور فدخلت هذه القوميات والأوطان في صراع وتنافس يتزايد، ويلقي بتبعاته على البشرية ككل، فكل أمة تفتخر بوطنها إلى حد العبادة له، فمصالحه فوق مصالح غيره من الأمم.
وحب الوطن والمبالغة فيه يكون معه التغاضي عن تعدياته وظلمه لغيره من الأوطان، وما فيه رفعة الوطن فهو الحق والصواب في نظر أبنائه، وما عداه فباطل مرفوض.
وكل أمة تسعى لنشر وفرض ثقافتها وأساليب حياتها على غيرها ولو بالقوة. وإن دانت لها الأمم الأخرى جعلتها تابعة لها منقادة ليس لها حق المساواة بها، وإن أخذت بما هي عليه.
فصار الإنسان في ظل تلك الدعوات القومية والوطنية وحشاً ضارياً لا يتوانى عن افتراس أخيه الإنسان طالما أنه ليس من جنسه، ولا من وطنه.
وأدت هذه الدعوات الاستعلائية إلى حربين عالميتين في نحو ربع قرن، أودتا -بلا رحمة- بحياة عشرات الملايين من البشر، وشهدت أهوالاً لا توصف. وانتهت بتفجير أول فنبلتين ذريتين في تاريخ البشرية.
ولا يخفى أن هذه النظرة القومية أو الوطنية الضيقة تعارض ما جاء به الإسلام، الذي يبني نظامه على المساواة بين كل الأجناس في دائرته، فهدف الإسلام إقامة دولة عالمية -لا قومية- ترفض التعصب لجنس أو لقوم أو لوطن، ويتساوى فيها جميع المسلمين في الحقوق والواجبات، تسودهم روح التعاون لا العداء، وتربطهم المحبة لا البغضاء، ولا يفخر فيها أحد على أحد، فالناس شعوب وجماعات متفرقة، ومن بين هذه الجماعات تكونت الأمة الإسلامية ممن دخلوا في دين الإسلام، فكانوا أمة وسطاً دون تعصب لجنس أو قوم، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(الحجرات:13)، فالمسلمون أمة واحدة، قال -تعالى-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(آل عمران:110)، وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)(البقرة:143).
ولقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تعصب المرء لقومه، فقال: (دعوها فإنها منتنة) متفق عليه، وفي الصحيح مرفوعاً: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبية أو يدعو لعصبية أو ينصر عصبية فقتل فقتلة جاهلية ومن خرج على أمتي بسيفه يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه) رواه مسلم.
- ومن مساوئ الدعوة إلى القومية والوطنية ارتباطها بالعلمانية، فهي ترفض التمسك بأي نظام ديني، لأنها تساوي بين أفرادها وإن اختلفت معتقداتهم الدينية، وترى وجوب المساواة بين جميع الأديان في الأمة، وضرورة إقصاء الدين وإن شئت قلت التضحية به حفاظاً على وحدة الأمة!!
فالولاء والمحبة والمودة لابد أن تكون بين أفراد الأمة الواحدة وإن اختلفت معتقداتهم الدينية، فلا دولة قومية دون بينان علماني يقوم على فصل الدين عن الدولة ولابد.
- ولا يخفى أن الإسلام دين ودولة، ولا يقبل أن يكون مجتمع المسلمين غير ملتزم بأحكامه وشريعته، وإلا انتفت عن هذا المجتمع صفة الإسلام، ولا يعني ذلك رفض وجود غير المسلمين في الدولة الإسلامية، أو إجبارهم على اعتناق الإسلام طالما بقوا في دولته؛ إذ لا إكراه في الدين، وإنما هم أهل عهد وذمة، يخضعون لأحكام الإسلام المبنية على العدل والرحمة والإحسان، ولهم فيها الأمن والأمان لأرواحهم وأموالهم، قال -تعالى-: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)(البقرة:256).
وقد انتقلت عدوى الدعوة إلى القومية إلى الأمة الإسلامية فقسَّمتها وفرَّقتها، فالدعوة إلى القومية الطورانية في تركيا، والدعوة إلى القومية العربية، وظهرت شعارات: "مصر للمصريين"، و"الوطن فوق الجميع"، والمناداة بـ"سوريا الكبرى"، والقومية الآشورية على أرض العراق، وكفاح الأكراد لإقامة دولة قومية كردية.....إلخ.
وتحولت الأمة إلى دويلات تفصلها حدود سياسية، وتتحكم فيها دول الغرب الاستعمارية.
فهل آن لنا أن يجمعنا الإسلام من جديد ويُألف بيننا؟ (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(الأنفال:63).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق